الثلاثاء، 6 مارس 2012

الصليب الأحمر... وبعض المعارضة : تغطية على جرائم الأسد! - الياس س الياس الصليب الأحمر... وبعض المعارضة : تغطية على جرائم الأسد! - الياس س الياس



على مدار عام من الخزي والعار الذي سُجل للهلال الأحمر السوري مناصفة مع قوات الشبيحة باستخدام سيارات الإسعاف للتنقل واصطياد الناشطين والمتظاهرين وبقراءة تفاصيل الشهادات والأفلام عن ممارسات شنيعة تصدر عمن وجب بهم القيام بمهمة إنسانية نبيلة أدت إلى إزهاق المزيد من الأرواح لأناس أصيبوا ونزفوا حتى الموت بفعل هذه الممارسات المخزية والتي ستظل وصمة عار على جبين هؤلاء الذين مارسوها تحت أنبل شعارات إنقاذ الأرواح مهما كانت...

لن أخوض في التفاصيل التي أضحت موثقة وقد أضافها الأسد إلى كل الأفعال التي لا تمت للبشرية بصلة، ومن العار الآن أن نعيد شريط الذكريات حتى في ظل احتلال لا يفرق بين عربي وعربي في القمع، ولكن صورة واحدة من مخيم قلنديا الفلسطيني في الطريق نحو القدس تختصر الحكاية: تقف شيرين ابو عاقلة مراسلة الجزيرة ومعها العشرات من الصحفيين لتغطي مواجهات الحاجز مع أطفال وشباب جاء ليحتج... الملفت أن سيارات الإسعاف الفلسطينية تعج بالمكان... من العار المقارنة بين ما نراه في سوريا وما نراه في ظل احتلال..
لكن من يدفعنا إلى ذلك غير شعارات الكذب والنفاق والتملق المسماة ممانعة؟

إني أتهم الصليب الأحمر الدولي بالتخاذل في بابا عمرو وفي غير مكان في سوريا، أتهمه لأنه أظهر ميوعة لا يقبلها الدم النازف ولا جرائم بشعة ارتكبت وترتكب فيما رئيس المنظمة يجري "مفاوضات" مع مطلق الأوامر لقتل البشر...
أتهم الصليب الأحمر الدولي بالتواطؤ مع الهلال الأحمر السوري في تمييع المسألة الإنسانية.... من الزنزانة التي قتل فيها مئات من أمثال غياث مطر وثامر الشرعي إلى دك بيوت المدنيين فوق رؤوس أصحابها فيما يقول ناطق باسم الصليب الأحمر نجري مفاوضات!!

أية مفاوضات هذه التي تمنع منظمة يفترض بها أن تكون أينما كانت الحاجة لها بدون حتى أذن من احد؟ واين تحصل مفاوضات لدخول مناطق منكوبة يمارس فيها جرائم بحق الإنسانية؟ هل في أفريقيا؟ هل في باكستان؟ هل في أفغانستان؟ هل في جورجيا؟ في ساحل العاج؟ هل تحت الاحتلال الإسرائيلي يمكن الصمت على إلباس فرق موت ومستعربين لباس ممرضين وأطباء ليتم اختطاف وإعدام ناشطين؟

في لبنان الصليب الأحمر لم يكن يقف ليتفرج حتى في أوج الحرب الأهلية، لم يكن لأمراء الحرب إلا أن يسمحوا للسيارات التي ترفع راياته المعروفة، في المناطق المنكوبة حول العالم بدءا بكارثة طبيعية أو بفعل حروب ونزاعات كان الصليب الأحمر يصر على حقه كمنظمة محايدة الدخول أينما كان... لا أن ينتظر تنظيف وتطهير الأحياء من دلائل البشر والجريمة كما حدث في رنكوس وحمص حوران...

أسخف التصريحات التي ظل يرددها الناطقون باسم هذه المنظمة: نحن نتعاون مع منظمة الهلال الأحمر العربي السوري!
أي تعاون هذا؟
أين جرى هذا التعاون وقد فشل هؤلاء حتى في إخراج صحفية وصحفي من بابا عمرو؟ وقبل ذلك في عموم حوران؟

قد يكون الناشطون والمعارضة السورية غير راغبين في الخوض بنقاشات عقيمة مع الصليب الأحمر الدولي فيما يمارسه من تغاض ومن تغطية مفضوحة، بقصد أو بغير قصد، لجرائم يندى لها جبين البشرية في تحويل سوريا إلى رواندا جديدة يسودها السواطير والنهب والقتل والحرق فيما الصليب الأحمر يدور حول مكان الجريمة ريثما يسمح الجلاد بعد "تطهير" المناطق من البشر لتدخل دخولا دعائيا على قنوات هذا المجرم وبرضا الصليب الأحمر المهتم المتحدث باسمه بدمشق باظهار المزيد من الغموض حين يقول: نتفاوض مع الطرفين!
أي طرفين؟
إذا كان الجرحى الذين ماتوا بسبب نقص الدواء والدماء النازفة والأطباء والأهالي وحتى الجيش الحر جميعا كانوا يناشدون بالتدخل؟
ألم يكن هناك جثتان في بابا عمرو لصحفيين أجانب؟ ألم يكن هناك صحفية ملقاة على سرير بدائي وبدون كهرباء؟ ألم يكن هناك أطفال يئنون من جراحهم؟ ألم يكن هناك شعب يقصف تحت سمع وبصر الجميع؟

هذه الميوعة وهذا التخاذل الذي أظهره الصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري سوف لن ينسى ولن تمحى من الذاكرة كيف يقوم مسلحون بالتمثيل بجثة أحدهم فيما يشبه مشفى حكومي وبرضا ومشاركة ممرضات... أم أن الصليب الأحمر لا يرى ما يجري؟

أظن أن الصليب الأحمر الدولي يعرف كلما يجري لكنه فقط في سوريا وقف موقفا مخزيا سيسجل له وسوف يجعله في المستقبل على المحك كمنظمة مستقلة تحظى باحترام جميع الأطراف حول العالم بسبب حيادها... فقد استطاع النظام السوري ضرب هذه الحيادية وزاد في الضرب تلك التصريحات المخجلة الصادرة من جنيف ودمشق بلسان عربي يظن أن المسألة مجرد لعبة بأرواح البشر...
من العار وتحت مرأى ومسمع هذه المنظمة الدولية أن يختفي آلاف السوريين في معتقلات مجرم حرب كبشار الأسد وأجهزته ولا تحرك المنظمة ساكنا بينما يجد الأهالي بين الفينة والأخرى جثث ملقاة على قارعة الطريق معذبة حتى الموت لا لشيء إلا لأن الصليب الأحمر لم يقم فورا بعمل ما وجب عمله في توثيق سريع وفرض زيارة فورية وتبادل رسائل بين المعتقل وذويه تماما كما حصل حتى في معتقلات إسرائيلية لآلاف العرب في أنصار ومعسكرات اعتقال أخرى في أوج الصدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

عار آخر يسجل للدول التي تستقبل اللاجئين السوريين حيث تغيب منظمات الأمم المتحدة غيابا كليا ومسيسا عن قضايا إنسانية... فنكتشف أن عدد النازحين إلى الأردن أكثر من 80 ألفا فيجري التعتيم على المسألة... ولا يمكن استثناء الموقف التركي العجيب والمبهم الذي يصرح بشيء والممارسات مشينة ومخجلة ولا داعي لفضحها الآن...
وفي لبنان ترتهن دولة كاملة لنظام وصاية وانتداب سوري- إيراني فتغيب منظمات الدولة والعالمية الإنسانية وهيئات الأمم المتحدة عن مشهد نزوح يختصر وحشية ما يتعرض له هؤلاء في بلدهم... يمشي البشر في أجواء ثلجية عاصفة هربا من جرائم الذبح والحرق والنهب فيخرج وزراء لبنانيون وأقطاب "مقاومة" ليقولوا: الوضع طبيعي لا يوجد سوى فبركات إعلامية!
ولأن لهؤلاء قصص وروايات تفضح المستور يصر "المقاومون" في لبنان على نشر عصاباتهم وميليشياتهم لتختطف الناشطين واللاجئين كتجار بشر لأجل عيون "الممانع" الذي تدافع عنه اللوبيات الصهيونية بأسنانها...
شيء يستدعي القرف من كل التسميات الحاضرة والآتية التي تشاهد تراجيديا الذبح في سوريا وهي "تنأى" بنفسها!

إن المذبحة التي يتعرض لها رجال ونساء وأطفال سوريا لهي وصمة عار ستلاحق أطرافها حتى النهاية، فلا شيء يبرر أن يظل الصمت والسكون ملازمين لمواقف منظمة الصليب الأحمر الدولي والخزي الذي يمارسه مناصفة الهلال الأحمر السوري مع "غزاة الديار" في كل المدن السورية!
هذه المذبحة التي يظن المشاركون فيها أنها ستعيد محو ذاكرة الناس عن الظلم التاريخي الذي وقع على شعب تكالبت عليه السياسات بحجة "الاستقرار" و "الممانعة" و " خوف الأقليات" و "مطلب التطمينات" ( ولكأن من يجري ذبحه يستطيع أن يبعد ساطورا عن رقبته ليرضي بشارة الراعي الذي أُصيب بعمى ألوان منذ بدأ الناس في سوريا ينادون بكرامة وحرية... للكل..)..

المعارضون السوريون الذين يبدون جبنا وتخاذلا وصمتوا على المذابح التي تجري في سوريا وراحوا ينشغلون في الاعتراض على اعتراف الاتحاد الأوروبي بالمجلس الوطني السوري يتحملون جزءا من هذه الماساة السورية... هؤلاء لم نسمع صوتهم طيلة شهر كامل من قصف بابا عمرو ولم يوظفوا مهاراتهم الحقوقية فيما يجري بل ظلوا ضيوفا على قناة "العالم" يتفلسفون على شعبهم عن مخاطر التدخل الخارجي بينما وطنهم مستباح بمن يقف مع مجرم الحرب ويمده بكل السبل للقتل وتنقل المذبحة... هل سمعتم مثلا صوتا للسيد هيثم مناع الذي صمت طيلة شهر من مذابح بابا عمرو؟ هل تدخل هؤلاء الرافضون لإنقاذ البشر من وحوش تذبح المدنيين بغير شعارات : لا للطائفية... لا للتدخل الأجنبي... فماذا قدموا من بدائل وماذا قدموا لهؤلاء الذين يواجهون الموت اليومي والحصار والفظائع بأبشع صورها وطائرات الاستطلاع الصهيونية ترصد المزيد من الضحايا لمصلحة نظام "الممانعة"... ولا يهمني من اين أتت طائرات العدو بدون طيار، أكانت من روسيا أم من تل أبيب مباشرة... لكن على الأقل لم نسمع صوتا من هؤلاء وهم يرون ما يجري سوى التشكيك بقذيفة تخترق سقف سوق يتجمع فيه متظاهرون في الرستن... ثم ينشغلون بشريط من بنغازي لتدنيس قبور مسيحية لجنود انكليز... وهو مستنكر بكل الأحول وبالمطلق... لكن من الحقارة الادعاء أن الأمر يحدث في سوريا، كما ادعى ذات يوم في العام الماضي نزار نيوف أن الفيلم الذي عرضه المعلم هو من بانياس قبل أن يعتذر بسبب "التباس اللهجة" ثم ادعاء بأن صور المظاهرات تأتي من الجو وتحول إلى محطات فضائية... واعدا إيانا الكشف عن الطريقة وصمت بعد أن أحدث بلبلة خيالية عن المقابر الجماعية في درعا... ثم ينشغل هذه الأيام بالتفتيش عن كل رواية تسند روايات مجرم حرب فقط لأن فيها " ما يبشر بأن طائفة ما ستكون مستهدفة في المستقبل"... فهذه هي نماذج المعارضة التي تعتمد الخيال وتعتمد على نفايات شهادات رجال السي أي ايه السابقين وأيتام اليسار الغربي الذين يقرؤون كل شيء من منطلق "المؤامرة الإمبريالية"... والدليل الشيكل الذي وجدوه مع عملة لبنانية وفلبينية وكلها خارج التداول ويمكن لأي هاو جمع عملات أن يعرف الأمر... لكن من المعيب حقا أن ينشغل هؤلاء منطلقين من أشياء لا يمكن ذكرها الآن بما لا يمت للثورة السورية بصلة... ولو أراد هؤلاء يمكن أن نذكرهم مستقبلا بعلاقاتهم الممتازة مع الصحفيين الإسرائيليين وبالأسماء وأماكن لقاءاتهم ... لكن الوقت الآن هو وقت رفع السيف عن رقاب شعبهم وليس التمحيص عما يدين ثورتهم... على طريقة هذيان تلفزيون "المئاومة" بأن الأسد والمعلم لا يعلمان باعتقال 137 رجل مخابرات غربي وعربي وإسرائيلي في حمص... مثل رواية اعتقال عقاب صقر وشيكات وئام وهاب....

ومن الدناءة الانشغال بصغائر أمور تحرف النظر والتركيز عن المشهد الأكبر والأشمل، المتمثل في مذبحة مر على تنفيذها المتواصل والمتكرر عام كامل، فيما يجلس من يدعي العلمانية واليسارية منشغلا بلحية هذا وذاك وتوجهات ومعاني "الله أكبر" و "لبيك يا الله" بعد أن خذلهم حتى هؤلاء المنظرون للحرية من مثقفيهم الذين خانوا مفهوم الثقافة الذي تبجحوا به

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق