الجمعة، 13 يناير 2012

قومية بشـــار الاسد . د.فيصل القاسم


آه كم ضحكوا علينا وخدعونا بالقومية العربية المزعومة! لقد أوهمونا أنها من المقدسات التي تستدعي الإجلال وحتى الخشوع عندما نسمع ذكرها. لقد أقنعونا بالكذب والتدليس والشعارات الرنانة أنها منقذتنا وهويتنا وعزتنا وكرامتنا. وللأسف خدعونا وصدقنا الأساطير التي حاكوها حول فكرة "القومية". لقد سفكنا حبراً غزيراً جداً ونحن ندافع عن تلك الإيديولوجية العفنة، حتى أدركنا أخيراً أنها لم تكن سوى خدعة كبيرة لتمكين الطواغيت والمستبدين والسفاحين والجنرالات المزيفين الذين لم يقتلوا يوماً ذبابة معادية، بينما ذبحوا وشردوا وعذبوا من شعوبهم ألوفاً مؤلفة. فبعض الحكام المستبدين القومجيين العرب يمارسون قومجيتهم بحذافيرها بحيث لا يكتفون فقط بذبح شعوبهم، بل يذبحون شعوباً عربية أخرى، فلا طعم للقومجية إلا إذا طالت أكثر من شعب عربي. ألا تعني القومية المزعومة "دحش" العرب أجمعين في بوتقة واحدة شاء من شاء وأبى من أبى؟
من المؤسف جداً أن ترى هذه الأيام رهطاً من "عواجيز" القومجية، وحتى بعض الشباب المخدوعين يدافعون عن الأنظمة "القومية" المزعومة بعد كل جرائمها وفظائعها الصارخة بحق الشعوب، وخاصة في زمن الثورات المباركة. (مع الاعتراف طبعاً بأنه ما زال هناك عروبيون شرفاء وأنقياء يباركون الثورات الحالية سراً وجهراً، ولم تصبهم لوثة القومجية).
آه كم أشعر بألم وحزن كبيرين عندما أرى بعضهم وهو يصب سمومه على الثوار والثورات العربية المجيدة، بحجة أنها مؤامرات تهدد الأمن القومي العربي، وتفتح الباب أمام الإمبريالية والصهيونية، وكأن حكامنا القومجيين لم يتفوقوا على الصهيونية في عدائها وهمجيتها بحق الشعوب العربية وتخريب الأوطان وإفسادها وحتى تدميرها بالحديد والنار.
ألا يرى بعض القومجيين ما يفعل الطواغيت الذين يدافعون عنهم ويؤازرونهم؟ هل هم عميان؟ ألا يشاهدون التلفزيونات؟ ألا يقرؤون الصحف؟ ألا يسمعون الأخبار؟ لا أصدق عيني وأنا أرى أحدهم وهو يدافع بطريقة جنونية عن أنظمة تستحي "إسرائيل" من فظائعها بحق شعوبها الثائرة المطالبة بحقوقها الأساسية لا أكثر ولا أقل.
عجيب جداً أن تشاهد عجوزاً يحمل شهادات عليا جداً، ومن المفترض أنه قادر على تمييز الغث من السمين، وهو يذود عن هذا النظام القومجي أو ذاك بعبارات خشبية بائدة لم تعد تثير في نفوس الشعوب سوى القرف والغثيان. ألم يمل هؤلاء السخفاء من تعيير الثوار العرب بأنهم مجرد ثلة من العملاء للصهاينة والإمبريالية؟ أيهما الصهيوني، بربكم، أيها القومجيون الخرفون: الشعوب التي عانت الأمرّين على أيدي عصابات تلحـّفت بالقومية العربية، وحلبتها إلى آخر قطرة لدوس العباد ونهب البلاد، أم أولئك الذين ما زالوا يتاجرون بالشعارات القومية الجوفاء والمزيفة، ولم يحققوا لأوطانهم على مدى عقود طويلة سوى الذل والطغيان والفساد والإفساد، ناهيك عن أنهم حولوا البلاد إلى مزارع خاصة؟ متى يعي أولئك المدافعون عن الأنظمة القومجية الساقطة والمتساقطة أن الصهيونية سعيدة جداً بتلك الأنظمة المتدثرة زوراً وبهتاناً بالثوب القومي؟ هل كانت الأنظمة القومجية وطنية يوماً كي ترفع شعارات قومية عربية من المحيط إلى الخليج؟ أليس الأقربون أولى بالمعروف عادة؟ ماذا حقق الحكام القومجيون لأبناء بلدانهم أولاً كي يحققوا للعرب الآخرين الأبعدين؟ فعلاً نكتة من العيار الثقيل.
أيها القومجيون العرب، حتى لو كان البعض صادقاً في محاربة الصهيونية والهيمنة الأمريكية، فهذا لا يبرر له أبداً أن يدوس الشعوب، ويستخدم ضدها كل أنواع الأسلحة لمجرد أنها عبرت عن وجعها المزمن من الطغيان والقهر اللذين يجثمان على صدورها منذ عشرات السنين. كفاكم تذرعاً بالصهيونية والإمبريالية لتبرير خنق الشعوب وتركيعها وإذلالها وحرمانها من أبسط حقوقها في الحرية والكرامة. متى تعون أيها المدافعون عن القومجيين أن الوقوف في وجه الصهيونية ورفع الشعارات القومية لا يبرر لكم أبداً معاملة شعوبكم كما لو كانت مجرد قطعان من الماشية؟ لا يمكن لكم أبداً محاربة الأعداء برهط من العبيد الأذلاء؟ ولا يمكن أن يحرر بلداننا المغتصبة كلياً أو جزئياً إلا أحرارها. لكن، كما نرى أمامنا، فإن القومجيين لم ينتجوا سوى شعوب مقهورة وذليلة كي تكون دائماً لقمة سائغة في فم الأعداء. لكن، هيهات، فها هي الشعوب قد راحت تزلزل الأرض تحت أقدام الطواغيت القومجيين الذين لم نر "بسالتهم وبطولاتهم" إلا ضد شعوبهم، بينما كانوا على الدوام يبلعون إهانات الأعداء واعتداءاتهم عملاً بالبيت الشهير:(ربداء تجفل من صفير الصافر).
لم تعد الشعوب تصدق أولئك الذين يخيرونها بين الطواغيت العرب والاحتلال الأجنبي أو التقسيم وحتى التشرذم، فقد طفح الكيل بالشعوب التي لسان حالها يقول:"إن الغريق لا يخشى من البلل"، فلو كانت تلك الشعوب تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية وطنية لا تدوسها، ولا تحاربها بلقمة عيشها لربما صدّقت "تخويفات" بعض القومجيين لها هذه الأيام بأن بلداننا العربية تواجه مؤامرات صهيونية أو أمريكية. لكن بما أن القومجيين لم يتركوا موبقة إلا ارتكبوها بحق الشعوب، فلا يلوموا إلا أنفسهم إذا بدأت بعض الشعوب تستنجد بالشياطين من شر القومجيين المستطير. ألا يقول المثل: (ما الذي أجبرك على المر غير الأمّر منه؟).
صدقوني أيها القومجيون، لم تعد تثير "تخريفاتكم" في نفوس الشعوب غير القرف والاشمئزاز، لا عجب إذن أن تبصق عليكم في كل مرة تشاهدكم على شاشات التلفزيون وأنتم تكررون الاسطوانة المشروخة المفضوحة بأن هناك مؤامرات على أوطاننا العربية. بالمناسبة ربما يكون هناك مؤامرات علينا وعلى بلداننا العربية فعلاً، لكن، أيها القومجيون، من كثرة ما استخدمتم نظرية المؤامرة لتبرير قمع أسيادكم وقهرهم واستعبادهم لشعوبهم زوراً وبهتاناً، أخشى هذه المرة أن يصيبكم ما أصاب ذلك الراعي الذي ظل يضحك على أهل القرية بأن هناك ذئباً يهاجم خرافهم، فكانوا في كل مرة يحملون العصي ويطاردون الذئب فلا يجدونه، حتى ظنوا أخيراً أن الراعي يكذب عليهم ويتسلى بهم. وعندما هجم الذئب على القطيع فعلاً ذات يوم، واستنجد الراعي بأهل القرية لم يصدقه أي منهم. وأنتم أيها القومجيون الأفاقون لم يعد يصدقكم أحد.

الشعب السوري يريد إسقاط النظام


د. فيصل القاسم