الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

أساطير زمن الالتباس

أساطير زمن الالتباس

لا أعرف متى ستذهب عنا السكرة، لكي نتبين الحقيقة في العديد من الأساطير التي يروج لها في مصر هذه الأيام. لكنني أرى إرهاصات دالة على أن الإفاقة على الفكرة لن تتأخر كثيرا.

(1)
أتحدث عن بعض الكتابات الاستثنائية التي ظهرت في الصحف المصرية خلال الأسبوعين الماضيين معبرة عن تلك الإفاقة، خصوصا تلك التي أفزعتها عودة شبح الدولة الأمنية، مستصحبة معها ممارسات القمع والتحريض بدعوى الحفاظ على الدولة في مواجهة الإخوان، وأقلقتها مؤشرات عسكرة المجتمع المصري بعد عزل الرئيس محمد مرسي.
إضافة إلى تلك الأصوات التي استهولت حجم القتل الذي تم باسم فض الاعتصام بالقوة، كما استهولت ارتفاع صوت أبواق الثورة المضادة، التي باتت تبشر بفاشية جديدة لا تكتفي بمباركة إجراءات القمع، وخطاب الإقصاء، وإنما عمد ممثلوها إلى اتهام المخالفين بالخيانة، والازدراء بمفجري ثورة 25 يناير/كانون الثاني2011، ووصفهم حينا بأنهم "مرتزقة"، ووصف الثورة ذاتها في حين آخر بأنها نكسة.

نظرا لمحدودية تلك الأصوات، فإنني أفهم أن ظهورها لا يشكل اختراقا لحملة الإعلام، ولأجواء الإرهاب الفكري والاغتيال السياسي والمعنوي، التي تتبناها مختلف الأبواق التي أسهمت في تسميم الفضاء المصري، لكنني أزعم أن حضورها لا يمكن تجاهله، لأنه يعني أن المراهنة على الإفاقة من السكرة ليس ميؤوسا منها، ولا هي من قبيل التمني ووحي الخيال.
لا أرجع ذلك إلى وعي البعض ويقظة ضمائرهم فحسب، ولكن المبالغات الفجة التي يتم اللجوء إليها في الأجواء المحمومة الراهنة كثيرا ما تأتي بثمار عكسية، عملا بالقول الشائع إن ما يزيد على حده ينقلب إلى ضده.

فحين يتهم أحد المحتجزين -واسمه محمد عبد التواب أحمد- بالاعتداء على المتظاهرين وحمل السلاح وإرهاب المواطنين وقتلهم، ثم يتبين أن الرجل فاقد البصر ولا يستطيع أن يتحرك دون دليل يقوده، فإن أي عاقل يكتشف مباشرة التلفيق والكذب في التهمة. وحين تتحدث الصحف عن ترسانة للأسلحة في اعتصام رابعة، وعن وجود مدافع ثقيلة وأسلحة كيميائية مع المعتصمين، ثم يتم قتل المئات (في رابعة وحدها) واعتقال الألوف منهم دون أدنى مقاومة، فإن ذلك يهدم الأسطورة دون حاجة إلى تكذيبها.

وحين تنشر إحدى الصحف أن الرئيس الأميركي باراك أوباما -بجلالة قدره- عضو في التنظيم الدولي للإخوان (الوفد 28/8) الأمر الذي يعني خضوعه لقيادة مرشد الإخوان، فإن ذلك يحول الخبر إلى نكتة من ذلك القبيل الذي يتردد في حلقات تعاطي المخدرات.
أخطر ما في تلك الفرقعات الإعلامية هو مضمونها الفج الذي يكشف عن تدني مستوى التلفيق الذي يؤشر جهلا بالأساليب ونقصا فادحا في مستوى الذكاء

(2)
شيء من هذا القبيل حدث في الأسبوع الماضي حين نشرت صحيفة الأهرام على صدر صفحتها الأولى تقريرا مثيرا تحت العناوين التالية: "مؤامرة جديدة لزعزعة الاستقرار بتورط سياسيين وصحفيين ورجال أعمال ـ الأهرام يكشف الحلقة الأخيرة من اتفاق الشاطر والسفيرة الأميركية لتقسيم مصر ـ القبض على 37 إرهابيا بعد إجهاض مخطط عزل الصعيد وإعلان الاستقلال ـ الخطة تضمنت الاستيلاء على مبنى محافظة المنيا وتشكيل حكومة ـ الاعتراف الأميركي كان معدا والأجهزة الأمنية كشفت المخطط البديل".

التقرير كتبه رئيس تحرير الأهرام زميلنا عبد الناصر سلامة، ونسب معلوماته إلى "مصادر أمنية"، وذكر ما يلي: بعد إحباط مخطط عزل الصعيد وإعلان استقلاله كشفت المصادر الأمنية عن أن مخططا بديلا كان جاهزا، استهدف ضرب الاستقرار في الشارع المصري بمشاركة سياسيين وصحفيين ورجال أعمال، سيتم كشفهم وتقديمهم إلى العدالة خلال أيام.

وأكدت المصادر أن المخطط استهدف إحداث بلبلة في أوساط الرأي العام حول القضايا التي تضمنتها خريطة المستقبل (التي أعلنها الفريق عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز الماضي) من خلال عناصر "الطابور الخامس" السابق ذكرها.

أضافت المصادر الأمنية أن المخططَين (استقلال الصعيد، والتشكيك في خريطة الطريق) كانا ضمن اتفاق رعته السفيرة الأميركية بالقاهرة آن باترسون مع القيادي الإخواني خيرت الشاطر قبل القبض عليه، وتضمن دخول 300 مسلح من غزة إلى مصر عبر الأنفاق لنشر الفوضى في القاهرة، واقتحام عدد من السجون.

تحدث التقرير أيضا عن أن القوات المسلحة ألقت القبض على 37 إرهابيا في محافظة المنيا، وصادرت كميات كبيرة من الأسلحة كانت مرسلة إليهم عبر الصحراء الغربية لتمكينهم من الاستيلاء على المحافظة وتشكيل حكومة، حيث كان الاعتراف بالموقف الجديد معدا سلفا من جانب الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية أخرى.
في اليوم التالي مباشرة (28/8) تابعت الأهرام الموضوع، ونقلت عن بعض الخبراء الأمنيين أن ضرب مخطط فصل الصعيد أكبر طعنة ضد الغرب والولايات المتحدة، كما أنه يعد من أكبر الانتصارات التي حققتها الأجهزة الأمنية.

ونقلت الجريدة عن أحد أولئك الخبراء قوله إن الفريق عبد الفتاح السيسي "هزم واشنطن وأوروبا"، وهي الدول التي "اهتزت" بعد الدعم العربي القوي لموقفه، ممثلا في المملكة العربية السعودية والدول العربية "الصديقة".

وندد هؤلاء بالطابور الخامس الذي تم اكتشافه، ممثلا في بعض السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال الإسلاميين.

قبل هذه الفرقعة التي تحدثت عن مؤامرة الطابور الخامس في مصر، وعن هزيمة الفريق السيسي للأوروبيين والأميركيين، وإحباط رجاله لمخطط فصل الصعيد بمساعدة حركة حماس، الذي رعته السفيرة الأميركية في حين كان اعتراف واشنطن بالوضع الجديد جاهزا، سربت الأجهزة الأمنية فرقعة أخرى إلى جريدة "الوطن".

ويتعلق الأمر بتقرير مثير آخر نشرته الجريدة في 25/8، تحدث عن اجتماع سري بقاعدة عسكرية في ألمانيا، ضم ممثلين عن الموساد وأميركا وفرنسا وبريطانيا وعن حلف شمال الأطلسي لوضع خطة شل مصر، بعد الخسارة الكبرى التي أصابت تلك الأطراف من جراء عزل مرسي.

وأعطى التقرير انطباعا بأن ذلك الاجتماع -الذي يوحي بأنه يعد لحرب عالمية ثالثة- انعقد لنصرة الإخوان، في تحرك مواز للجبهة الوطنية لدعم الشرعية التي تشكلت في مصر.
الغرب مشغول بثلاثة أشياء: مصالحه بمصر والمنطقة، وسياساته والمبادئ الديمقراطية التي يلتزم بها والتي ترفض الانقلابات العسكرية، والاستقرار في مصر الذي يعتبره من ركائز الاستقرار في المنطقة العربية
السفيرة الأميركية بالقاهرة أخذت على محمل الجد كلام التقرير الأول، الذي تحدث عن تآمرها مع الشاطر وعن اعتراف واشنطن باستقلال الصعيد، فوصفته بأنه "شائن ومضلل وغير مهني".

ودعت رئيس تحرير الأهرام في خطابها الذي وجهته إليه بهذا الصدد إلى التصرف بمسؤولية، والكف عن نشر الأكاذيب والمخاوف التي تهدد مستقبل مصر وأفق التحول الديمقراطي بها.
(3)
أخطر ما في هذا الكلام ثلاثة أمور هي: مضمونه الفج الذي يكشف عن تدني مستوى التلفيق الذي يكشف عن جهل بأساليبه ونقص فادح في مستوى الذكاء.

ثم إنه صادر عن الأجهزة الأمنية صاحبة اليد الطولى في تشكيل الرأي العام في الوقت الراهن، وهي التي كان يظن أنها أكثر كفاءة وخبرة.

الأمر الثالث أن هذا الكلام ينطلي على كثيرين من العوام وحديثي الانشغال بالسياسة، وهو ما يسهم في شحنهم بالأساطير والأكاذيب، الأمر الذي يضللهم ويفسد رؤيتهم، ويشوه إدراكهم.

إننا بإزاء حزمة من الأساطير والخزعبلات السياسية التي أزعم أنها لا تسمم الأجواء السياسية فحسب، ولكنها تهدد السِّلم الأهلي أيضا، وإذا جاز لي أن أشير إلى أبرز تلك الأساطير فإنني أجد في مقدمتها ما يلي:

- أسطورة التآمر الغربي عامة والأميركي بوجه أخص على النظام القائم في مصر لصالح الإخوان.
والحقيقة أن الغرب مشغول بثلاثة أشياء، أولها مصالحه في مصر والمنطقة، وثانيها سياساته والمبادئ الديمقراطية التي يلتزم بها التي ترفض الانقلابات العسكرية، أما ثالثها فهو الاستقرار في مصر الذي يعتبره من ركائز الاستقرار في المنطقة العربية.
ومن ثم فهو ليس سعيدا بالإخوان، ولكنه مختلف مع طريقة تعامل السلطة معهم. وفي ما يخص واشنطن فإن اختلاف الإدارة الأميركية مع الإدارة المصرية بخصوص الإخوان هو خلاف عارض "تكتيكي" في حين أن التحالف بينهما إستراتيجي.

وينبغي ألا ننسى في هذا الصدد ما قاله رئيس الأركان الأميركي أمام الكونغرس إن الجيش المصري هو أهم حليف للإدارة الأميركية.

- أسطورة الحرب على الإرهاب التي جرى افتعالها والترويج لها إعلاميا، في سياق المشهد الذي بدأ بدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وانتهى بتجريم الإخوان وشيطنتهم، ثم تسويغ قمعهم واستئصالهم، الأمر الذي أسفر حتى الآن عن سقوط خمسة آلاف قتيل وإصابة عشرين ألفا، واعتقال عشرة آلاف شخص، حسب البيان الذي أعلنه التحالف الوطني لدعم الشرعية، وهو ما يهدد بدخول مصر إلى نفق الدولة الأمنية المظلم المحفوف بالشرور والمخاطر، بما يستصحبه من ترويع وتخويف وإجهاض لحلم الدولة الديمقراطية.

في حين أن المظاهرات كانت سلمية في مجملها، لكنها صورت إعلاميا وأمنيا بأنها إرهاب يرد عليه بوسيلة واحدة تمثلت في استخدام السلاح وتلفيق التهم الجاهزة.

- أسطورة الطابور الخامس التي جرى ابتداعها بدورها مؤخرا، حين ظهرت بعض الأصوات الليبرالية والوطنية المستقلة التي اعترضت على الأساليب المتبعة. ولأنه كان متعذرا اتهامها بالانتماء إلى الإخوان، فقد كان تلويث وتخويف أصحابها بضمِّهم إلى الطابور الخامس هو الحل.

- أسطورة تقسيم مصر وبيع قناة السويس للقطريين والتنازل عن سيناء أو جزء منها لحركة حماس، وهو من الفرقعات والافتراءات الإعلامية التي أطلقت في الفضاء دون دليل، واستهدفت الطعن في وطنية وانتماء من نسبت إليهم هذه الممارسات.
الغربيون ليسوا سعداء بالإخوان ولكنهم مختلفون مع طريقة تعامل السلطة معهم، أما واشنطن فإن اختلافها مع الإدارة المصرية بخصوص الإخوان هو خلاف عارض، في حين أن التحالف بينهما إستراتيجي
- أسطورة التنظيم الدولي للإخوان الذي يصور بحسبانه أخطبوطا هائلا له أذرعه المنتشرة في أكثر من ثمانين دولة حول العالم، في حين أنه مجرد كيان هش لا حول له ولا قوة، نشأ في ستينيات القرن الماضي حين كان إخوان مصر يعيشون خارجها. فشكلوا تلك الرابطة فيما بينهم، لكن لم يثبت يوما أن له دورا يذكر في التوجيه والتنظيم. والتفاوت الكبير بين أداء حركة النهضة في تونس والإخوان في مصر شاهد على ذلك، رغم أن الاثنين من أعضاء التنظيم الدولي.
(4)
في مواجهة هذه الأساطير ثمة حقيقة تتبدى وتظهر ملامحها يوما بعد يوم في الآونة الأخيرة، خلاصتها أن ما جرى في الثالث من شهر يوليو/تموز الماضي لم يكن انقلابا على حكم مرسي لكنه كان انقلابا على ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بدليل ذلك الجهد الكبير الذي يبذل الآن لاستعادة أجواء وأساليب حكم مبارك، فضلا عن رجاله وأبواقه التي عادت إلى الظهور في الساحة الإعلامية بوجه أخص، وهو ما أشك كثيرا في أنه خطر ببال الذين خرجوا في 30 يونيو/حزيران الماضي، أو الذين قدموا التفويض ضمنا للفريق عبد الفتاح السيسي.

الأمر الذي يستدعي بقوة السؤال التالي: من نفوض وعلى من نراهن أو نعول في الدفاع عن ثورة 25 يناير، لكي نبدد الحيرة في زمن الالتباس؟
المصدر:الجزيرة

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

فيتناميون إخوان

فيتناميون إخوان


لم تستطع "مارثا راداتز" مراسلة قناة إي بي سي الأميركية إخفاء امتعاضها واندهاشها الشديدين وهي تنقل تعليق الببلاوي رئيس وزراء سلطة الانقلاب في مصر لمذيعة محطتها الإخبارية الأميركية.

وهو التعليق الذي شبه فيه ما قامت به قوات الجيش المصري من قتل وعنف ضد أبناء وطنه وبني جلدته المصريين المعتصمين السلميين في رابعة العدوية والنهضة، الرافضين للانقلاب العسكري، بما قام به جيش بلادها في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب على فيتنام!

ففي حوارها مع السيد الببلاوي الانقلابي بمقر رئاسة الوزراء -المُغتصب قسرا بقوة الدبابات- اعترف الببلاوي بحقيقة الجرائم الوحشية التي قامت بها قوات الشرطة والجيش المصريين، بأوامر قادة الانقلاب السيسي والببلاوي ومحمد إبراهيم (وزير الداخلية) والتي راح ضحيتها الآف الشهداء من المصريين بالرصاص الحي، بل تم حرق جثامينهم، فضلا إصابة عشرات الآلآف .

لم ينكر الببلاوي هذه الوحشية، بل أقرها حينما قال موجها حديثه للمراسلة الأميركية: "هناك أوقات استثنائية يتم التعامل فيها بوحشية، لكن هذا لا يعني أن يصبح هذا أسلوب حياة".
أقر الببلاوي بالجرائم الوحشية حين قال للمراسلة الأميركية: "هناك أوقات استثنائية يتم التعامل فيها بوحشية، لكن هذا لا يعني أن يصبح هذا أسلوب حياة"
وبعدها استطرد الببلاوي مبررا هذه الوحشية من سلطات الانقلاب العسكري في مصر تجاه المعتصمين والمتظاهرين السلميين، المدافعين عن الديمقراطية، والرافضين للانقلاب العسكري، مشبها هذا للمراسلة الأميركية بالفظائع التي مارسها الجيش الأميركي في الحرب العالمية الثانية ومن بعدها حرب فيتنام.

أما الكارثة الأكبر، فهي أن الببلاوي أكد في نهاية حواره معها أنه "غير نادم على هذا".

لن أستفيض هنا في الحديث عن سقوط الأقنعة في هذه الأزمة، الكاشفة والفاضحة للعديد من مدعي التمدن، من أصحاب المبادئ الانتقائية والضمائر المتلونة.

فالجميع يتذكر أن الببلاوي نفسه استقال من حكومة عصام شرف الانتقالية إثر مجزرة ماسبيرو مساء الأحد ٩ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١١، وهي المجزرة التي نفذتها قوات الشرطة العسكرية والأمن المصريان ضد شباب معتصمين أغلبهم من المسيحيين، وراح ضحيتها ١٩ قتيلا مصريا بدم بارد.

وكانت استقالة الببلاوي بعدها بيومين احتجاجا على طريقة معالجة الحكومة لأحداث ماسبيرو، وهي الاستقالة التي أكد فيها أنه "على قناعة بأن على الحكومة توفير الأمن والأمان للمواطنين، وأنها حتى لو لم تكن مسؤولة، ولم يقع من جانبها خطأ في هذه الأحداث فإن عليها حماية المواطنين".

ومع ذلك، فإنني سأتوقف في هذا المقام عند هذه التصريحات التي اعترف فيها أحد المسؤولين الرئيسيين في سلطة الانقلاب العسكري بأن ما قاموا به هو عمل وحشي، ويقارن ما يجري في مصر بما قامت به القوات العسكرية الأميركية من فظائع في فيتنام خلال حربها هناك.

إن هذا الحديث يكشف عن العقلية الانقلابية التي باتت ترى شعبها -الرافض للانقلاب العسكري، والمتمسك بالديمقراطية التي سعى لبنائها عقب ثورة يناير المجيدة- شعبا أجنبيا عنها، ينبغي تأديبه لفرض سلطة قوات الاحتلال عليه.
حديث الببلاوي يكشف العقلية الانقلابية التي باتت ترى شعبها -الرافض للانقلاب والمتمسك بالديمقراطية- شعبا أجنبيا عنها ينبغي تأديبه لفرض سلطة الاحتلال عليه
إن تلك التصريحات تمثل وصمة عار بحق الببلاوي، وبحق كل الانقلابيين، وتوثق لجريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية، وينبغي أن يتم إرفاق تسجيلاتها بملف الممارسات الوحشية- من قتل وحرق وتعذيب- الذي يتم إعداده من بعض المنظمات الحقوقية الآن للتقدم به للمحكمة الجنائية الدولية.

واستصحابا لمقارنة الببلاوي، فقد تمت محاكمة ٢٠٠ من قادة الحزب النازي الألماني في محكمة نورمبيرغ عقب الحرب العالمية الثانية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتراوحت الأحكام الصادرة ضدهم ما بين الإعدام والسجن مدى الحياة.

فليس أقل أن يقبل الببلاوي ورفاقه الانقلابيون بعاقبة فعلتهم كما دللوا هم عليها.

بقي أن نلاحظ أن "مارثا راداتز" لم تنقل لنا من حديثها مع الببلاوي أي زعم له بأن فيتنام الشمالية كانت "إخوانا" (التهمة الجاهزة لكل مناهضي انقلاب مصر) فاستحقت من أجل ذلك تلك الوحشية من الجيش الأميركي.

إن إبداع السيد الببلاوي الانقلابي تعدى هذا بكثير، واعتبر كل المتظاهرين في الميادين المصرية -الذين كانوا يصورونهم على أنهم إخوان مسلمون- "فيتناميين"، أو بالأحرى فيتناميين إخوان!
المصدر:الجزيرة

تشويه أنصار الشرعية

تشويه أنصار الشرعية


في تقرير لوكالة رويترز للأنباء بعنوان "أكثر من مائتي جثة متفحمة بمسجد في القاهرة لا تعترف بها الدولة"، جاء ما يلي: "رأى مراسل رويترز 228 جثة في مسجد الإيمان وحده، وكان تحديد العدد بدقة صعبا لأنه كان يجري نقل بعض الجثث ووضعها في نعوش وإخراجها من المسجد. وقال مسعفون إن عدد الجثث التي أحصوها بلغ 259 جثة".

وأضاف التقرير: "وأزاح بعض الرجال الأكفان للكشف عن الجثث التي كان بعضها متفحما وجماجمه مهشمة وأخرى مليئة بثقوب ناجمة عن الإصابة بالرصاص في الرأس والصدر. وجلست بعض النساء يبكين بجوار بعض الجثث بينما تعانق رجلان وهما يبكيان بجوار جثة أخرى".
ليس ما ورد آنفا سوى واحد من المشاهد المروعة التي خلفتها مجزرة رابعة العدوية، والجثث التي تحدث عنها التقرير لم تدخل أصلا في إحصاءات وزارة الصحة في حكومة الانقلاب التي بدأت عدد الضحايا بأقل من مائتين، ثم رفعته إلى 421، وبعد ساعات أخرى رفعته إلى 525، قبل أن تصدر الأوامر بوقف التعداد، فيما صار مؤكدا أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، ولا تسأل عن ضحايا الأيام التالية.
طوال أسابيع تفننت فضائيات الفلول وشقيقاتها في شيطنة المعتصمين ورميهم بأبشع التهم، تمهيدا لقتلهم دون أن يتعاطف معهم أحد، ولكن ذلك كان جهدا عبثيا
أرادها القتلة مذبحة في الظلام، فكان يوما داميا بالنسبة للصحافيين والمصورين، واستهدف القناصة كل من يحمل كاميرا، لكن ذلك لم يمنع تدفق الصور تباعا للجرائم التي ارتكبت بحق المعتصمين، والتي كان ينفذها رجال أمن يلبسون زيهم الرسمي، فيما كان يتكفل بالجزء الآخر مدنيون ملثمون وغير ملثمين يعملون في سلك الأمن أيضا.
قبل الجريمة كانت عملية شيطنة بالغة البشاعة تتم للمعتصمين، إذ اتهموا بأنهم يقتلون الناس ويخفون جثثهم، واتهموا بتكديس الأسلحة الثقيلة، واتهموا أيضا بجهاد النكاح الذي اخترعته ذات مرة في تقرير لها من تونس قناة الميادين الممولة من إيران ومن رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد)، ولم يسمع به أحد في الأولين ولا في الآخرين، بل خرجت إحداهن على فضائية مصرية تقسم بأنها تتبعت 78 حالة جهاد نكاح في رابعة، في خسِّة ونذالة لم يبلغها بشر إلى الآن.

طوال أسابيع تفننت فضائيات الفلول، ومعها العربية وشقيقاتها، في شيطنة المعتصمين ورميهم بأبشع التهم، وكل ذلك من أجل التمهيد لقتلهم دون أن يتعاطف معهم أحد، لكن ذلك كان جهدا عبثيا، ولو نجح من قبل لنجح الآن، فهذه الجموع هي من صميم الشعب، وليست كائنات فضائية هبطت عليه من السماء.
وكان ما كان، فقد تمت مهاجمتهم لفض الاعتصامين، ولم يكن ثمة أسلحة ولا من يتسلحون، ولم تسجل صورة واحدة لمعتصم يطلق الرصاص على الجيش أو الأمن، وكل ما تدفق من الصور كان لعناصر الجيش والأمن والبلطجية يقتلون الناس بلا رادع من ضمير.
بعد فض الاعتصامين بدأت عملية شيطنة من لون آخر، إذ بادرت أجهزة الأمن إلى تلفيق التهم للمحتجين في المحافظات ومنها القاهرة، من أجل تبرير المزيد من القمع وفرض حالة الطوارئ وحظر التجول، ورأينا اعتداءات متوالية على الكنائس، والغريب أن أحدا لم يصب فيها على الإطلاق، ورأينا اعتداءات على منشآت عامة، وعلى مراكز شرطة.
وقد تجلى ذلك كله على نحو أكثر وضوحا يوم المجزرة، ويوم الجمعة التالي الذي شهد احتجاجات شملت القطر المصري بطوله وعرضه، وسقط فيها عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
نحن نتحدث عن أجهزة أمن متخصصة في تلفيق التهم، ألم يقولوا إن خالد سعيد الذي تفجرت الثورة بعد مقتله تحت التعذيب قد مات بسبب لفافة "بانغو" في فمه؟
وفي حين يمكن تفسير قلة من حالات العنف التي نفذها محتجون بردود فعل من قبل أهالي الضحايا، فإن الغالبية الساحقة منها تبدو من تدبير أجهزة الأمن، وإلا فما معنى أن يجري حرق مركز شرطة الجيزة بعد إخراج كل من فيه من موظفين، وهو ما تكرر في مراكز شرطة أخرى؟!
أما ما جرى في مركز كرداسة، فكان بحسب شهود العيان ردة فعل على إطلاقهم النار على عدد من أهالي الضحايا، ولا صلة للإخوان به من قريب أو بعيد.
ما ينبغي أن يقال هنا هو أننا نتحدث عن أجهزة أمن متخصصة في تلفيق التهم، ألم يقولوا إن خالد سعيد الذي تفجرت الثورة بعد مقتله تحت التعذيب قد مات بسبب لفافة "بانغو" في فمه؟
ألم يتبين أن المباحث هي من دبّر تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية من أجل اتهام إسلاميين وتبرير قبضتها الأمنية بمحاربة الإرهاب؟ وهل نسي أحد قصة المسحول حمادة؟
هذه الأجهزة ومن خلال بلطجيتها وعناصرها هي ذاتها التي بدأت تحرق وتدمر، بما في ذلك الكنائس، إذ لم يحدث طوال عقود أن اعتدى أحد من جماعة الإخوان على كنيسة، ثم لماذا يعتدون عليها، وما مصلحتهم في ذلك؟
كما لم يسبق لهم أن اعتدوا على منشأة عامة، فضلا عن أن يقتلوا موظفا، هم الذين لا يكفرون أحدا من المسلمين، لا موظفي الدولة ولا الجيش ولا سواهم.
ثم ماذا حين يتهم عناصر الجماعة بإحراق جزء من مكتبة الإسكندرية، أو حرق متحف وسرقة محتوياته، كأنهم لصوص وليسوا شبانا خرجوا يدافعون عن حق يرونه، واضعين أرواحهم على أكفهم طلبا لرضا ربهم.
إنها لعبة أمنية حقيرة لتبرير المزيد من القمع والقتل وتعزيز القبضة الأمنية، وذلك من أجل تكريس حكم عسكري طاعن في القمع، وإلا فما فمعنى أن يتم تعيين 19 محافظا من ضباط المباحث من بين 25، أليس ذلك مؤشرا على مزيد من القمع، وتبعا لذلك تزوير أية انتخابات، وبالتالي استعادة نظام المخلوع بصورة أسوأ بكثير؟
لم يسبق للإخوان أن اعتدوا على منشأة عامة، فضلا عن أن يقتلوا موظفا، وهم الذين لا يكفرون أحدا من المسلمين، لا موظفي الدولة ولا الجيش ولا سواهم
مع ذلك على الإخوان أن يردوا على هذه الحملة، وقد فعلوا ويفعلون. عليهم أن يردوا بشكل دائم وبلا تردد معلنين رفضهم العنف بكل أشكاله، وإصرارهم على الاحتجاج السلمي مهما تعرضوا للأذى من قبل النظام.
السلمية سر قوتهم، وهم يدركون ذلك، ولأن الدولة تدرك ذلك أيضا، فهي تسعى إلى تشويههم، وإلصاق تهم العنف الكاذبة بهم، لكن الناس تعرفهم، وعرفتهم طوال عقود، ولن تصدق أكاذيب القتلة بحال، حتى لو صدقه بعض المغفلين بسبب حملة الشيطنة الإعلامية الدنيئة التي تتوالى بشكل يومي دون كلل أو ملل.
ما جرى بعد مذبحة رابعة من احتجاج ومن مذابح يؤكد أن مسيرة الاحتجاج لن تتوقف، فيما ستأخذ جبهة الانقلاب في التفكك التدريجي، بعد أن يتأكد الجميع أنهم إزاء حكم عسكري طاعن في القمع لا يمت إلى التعددية الحقيقية بصلة، مما يعني أن المسيرة ستتواصل حتى يستعيد الشعب المصري ثورته المسروقة، ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وليس ثورة 30 يونيو/تموز الكاذبة.